اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 274
غيرِ دلالة على كَمْيّته، أو كَيْفيّته؟ فإذا قلت: "ضربتُ ضَرْبًا"، كان كذلك، فصار بمنزلة "جاءني القومُ كلُّهم" من حيثُ لم يكن في "كلّهم" زيادةٌ على ما في القوم. ويُذْكَر لزيادة فائدة على ما في الفعل، نحو قولك: "ضربتُ ضَرْبة وضربتَيْن"، فالمصدرُ ههنا قد دلّ على الكَمّيّة, لأن بِذْكره عرفت عددَ الضَّرَبات، ولم يكن ذلك معلومًا من الفعل، ومثله في زيادة الفائدة: "ضربتُه ضربًا شديدًا"، و"قمتُ قِيامًا طويلًا" أفدتَ أنّ الضرب شديدٌ، والقيامَ طويلٌ.
وقوله: "موقَّت" يعني أن له مقدارًا معيَّنًا، وإن لم يتعيّن هو في نفسه كما تقول في الأَزْمِنة: "سِرْتُ يومًا وليلةً"، فيكون لها مقدارٌ معيَّنٌ، وإن لم يتعيّن اليومُ والليلةُ، ومثله في الأمكِنة: "سرتُ فَرْسَخًا ومِيلًا"، فهو موقَّتٌ لأنّ له مقدارًا معيَّنًا، وإن لم يتعيِّنا في أنفسهما، فاعرفه.
فصل [ما يأتي مفعولاً مطلقًا]
قال صاحب الكتاب: "وقد يقرن بالفعل غير مصدره مما هو بمعناه, وذلك على نوعين: مصدر وغير المصدر. فالمصدر على نوعين؛ ما يلاقي الفعل في اشتقاقه كقوله تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً} [1]، وقوله تعالى: {وتبتل إليه تبتيلاً} [2]. وما لا يلاقيه فيه, كقولك: "قعدت جلوسًا"، و"حبست منعًا". وغير المصدر نحو قولك: "ضربته أنواعًا من الضرب، وأيَّ ضرب"، ومنه "رجع القهقري"، و"اشتمل الصماء"، و"قعد القرفصاء"، لأنها أنواعٌ من الرجوع والاشتمال والقعود, ومنه "ضربته سوطًا"".
* * *
قال الشارح: قد تقدّم أنّ المصدر أحدُ المفعولات، ودلالة الفعل عليه كدلالته على الزمان؛ لأنّ الفعل يتضمّن كل واحد منهما. والفعلُ إنما ينصب ما كان فيه دلالةٌ عليه، فالفعلُ يعمل في مصدره بلا خلاف، نحو: "قمتُ قيامًا"، و"ضربتُ ضربًا" لقُوّة دلالته عليه إذ كانت دلالته عليه لفظيّةً. وكذلك يعمل فيما كان في معناه وإن لم يكن جاريًا عليه. وهو على ضربين: أحدهما أن يكون من لفظ الفعل وحروفه، وهذا معنى قوله: "ما يلاقي الفعلَ في اشتقاقه"، يريد أنّ فيه حروف الفعل. والثاني ما لا يكون فيه لفظُ الفعل، ولا فيه حروفه. فالأولُ نحو قولك: "اجْتَوَرُوا تَجاوُرًا" و"تَجاوَرُوا اجْتِوارًا", لأنّ معنى "اجتوروا" و"تَجَاوَروا" واحدٌ، ومثله قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [3]. ألا ترى أنّ "التبتيل" ليس بمصدر "تَبَتَّلَ"، وإنّما هو مصدر "بَتَّلَ"، فهو فَعَّلَ مثل "كَسَّرَ". ومصدره [1] نوح:17. [2] المزمل: 8. [3] المزمل: 8.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 274